مستقبل التعاون في نهر النيل

Bart Hilhorst

ألقى بارت هيلهورست، أخصائي الموارد المائية ورئيس الاستشاريين الفنيين لمشروع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” لحوض النيل، محاضرة بمركز الدراسات الدولية والإقليمية باللغة العربية  يوم 25 مارس، 2015 ودار النقاش حول “مستقبل التعاون النيلي”، وقد ركزت المحاضرة على تعقيدات التعاون في مجال المياه خاصة في دول حوض النيل. عرض هيلهورست للحاضرين هذه القضايا المعقدة التي كتب عنها موضحا أن “إدارة الموارد المائية ليست مسألة تقنية. بل هي في جوهرها قضية سياسية، فهي تحدد من يحصل على ماذا ومتى يحصل عليه”

ونظرا لتزايد التنافس على موارد المياه الشحيحة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية، فإن هيلهورست يرى أننا بحاجة إلى أدوات أفضل للتعامل مع هذه القضايا الصعبة والمعقدة، والانفعالية عند إدارة الموارد المائية.”، ومن بين الأدوات التي أوصى بها كان “منهج السيناريو” وهي المنهجية التي تضع تصورات متسقة داخليا وذات طرح معقول بحيث تصف ما قد يكون عليه المستقبل.

وأوضح هيلهورست أن “سيناريو التفكير” ليس الغرض منه التنبؤ أو التكهن، بل دراسة القوى الدافعة الرئيسية في البيئة الخارجية، ويحقق فهما تدريجيا لما يقود “النظام” والعلاقات الهيكلية الكامنة خلف ذلك، وهذا الفهم هو أمر حاسم عند اتخاذ قرارات مستنيرة. الأهم من ذلك، أن سيناريو التفكير يتناول “الصورة الكبيرة” للمنهج المتبع في إدارة موارد المياه، ولت تشمل مختلف أصحاب المصلحة واحتياجاتهم، ونظراً لأن الإدارة الإقليمية للمياه  تقود إلى وجهات نظر المستقطبة، فإن هذا المنهج يساعد على تحقيق المواءمة بين وجهات النظر عند مختلف أصحاب المصلحة، وإقامة أرضية مشتركة يمكن من خلالها انطلاق المفاوضات.

وأوضح هيلهورست أنه عند تطبيق سيناريو التفكير على التعاون النيلي  بين الدول الإحدى عشرة التي تشترك هذا المورد المائي الهام و النادر إلى حد ما، إذ أن “النيل اسم عظيم، ونهر طويل، ولكنه نهر صغير من حيث حجم الجريان السطحي بالنسبة لحجم الحوض الذي يجري فيه، وعن ذلك قال هيلهورست: لدى الدول التي يجري النيل خلالها عدد من القضايا التنموية، بما في ذلك ارتفاع معدلات النمو السكانية، وضعف البنية التحتية، والاعتماد البالغ على مياه النيل أكثر من غيره من مصادر الماء الأخرى، والاحتياجات الزراعية، وبدون اتصالات نقل فعالة بين الشمال والجنوب، فلن نجد سوى القليل الذي يربط الدول الإحدى عشرة كمجموعة سوى نهر النيل نفسه. وبالتالي، المصالح المشتركة المباشرة بين المتشاطئة محدودة.

ولمعالجة بعض قضايا التنمية الشاملة هذه ، فإن هناك تضافر للجهود المستمرة لتعزيز التعاون بين الدول الواقعة في حوض النيل، بما في ذلك “مبادرة حوض النيل” التي وقعت عام 1999، وفي هذه المرحلة من الزمن، فإن شكل وديناميكية التعاون النيلي يخضع لعدد من الشكوك، فهل يستمر المجتمع الدولي للمانحين عند مستواه الحالي من دعم المراكز الإقليمية لمبادرة حوض النيل ؟ وهل سيتم توفير التمويل للمشاريع البنية التحتية الاستثمارية الكبيرة التي من شأنها زيادة فوائد مياه النيل؟

متى يمكن لمراكز مبادرة حوض النيل أن تتقدم من المرحلة الانتقالية إلى الوضع النهائي؟ وهل ستعود مصر إلى الانخراط في مناقشات النيل؟ وفي ظل هذه البيئات الديناميكية وغير المؤكدة يمتاز سيناريو التفكير بعرضه عددا من الحلول الممكنة لتحقيق نتائج مقبولة، وفي سبتمبر من عام 2014، طرح هيلهورست تطبيق سيناريو مع لجنة تتكون من أصحاب المصلحة الرئيسيين بما في ذلك أعضاء اللجنة الاستشارية الفنية لنهر النيل فضلا عن ممثلين لمجموعات من الحكومة والمجتمع المدني.

اختتم هيلهورست طرحه مسلطا الضوء على تزايد التأثيرات البشرية على النيل، وأوضح أنه في الوقت الراهن  فإن “النيل يتحول من نهر طبيعي إلى نهر منظم”، حيث يجري إنشاء العديد من البنى التحتية لإدارة المياه والسدود على طول نهر ضمن مساع وطنية للاستفادة من تدفقه، ومعظم هذه المشاريع تأتي في إطار  برامج التنمية الوطنية، ولا تأخذ في اعتبارها المنظور الإقليمي.

أدى العديد من هذه المشاريع إلى زيادة  السيطرة على الفيضانات، والطاقة الكهرومائية، وإمكانيات الري عند إدارة موارد النيل، وخلقت وضعا حيث “تتزايد الفوائد المحتملة للتعاون بشكل بالغ” في حوض النيل بأكمله. وهذا  بدوره يثير الحاجة إلى زيادة التعاون الإقليمي، وكذلك التحرك الإيجابي نحو التكامل المستقبلي بين دول نهر النيل.

تمتد خبرة بارت هيلهورست لأكثر من خمسة وعشرين عاما في إدارة الأراضي والموارد المائية، خاصة الأنهار العابرة للحدود والتفكير المستقبلي في مجال تنمية الموارد الطبيعية واستخداماتها، وله خبرة ميدانية واسعة في المشاريع المعقدة للمياه العابرة للحدود في أفريقيا وآسيا، وكان كبير المستشارين الفنيين لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو”- مشروع “المنتجات المعلوماتية عن إدارة الموارد المائية في حوض النيل”، ولديه معرفة عميقة باستخدام سيناريو التفكير لدعم صياغة إستراتيجية لإدارة الموارد الطبيعية ، وتسهيل عمليات الحوار بشأن التحديات المعقدة لتوزيع المياه.

وقام  مؤخرا بوضع عملية لسيناريو شامل لأصحاب المصلحة المتعددين يدرس قطاع المياه والزراعة والطاقة المعقد في حوض بحر آرال، ويشارك حاليا في مشروع سيناريو حول  “مستقبل التعاون في نهر النيل” ضمن مبادرة حوض النيل، وفي فبراير 2015 أنهى بارت هيلهورست دراسة عن حالة الاستثمارات الزراعية لدول مجلس التعاون الخليجي في جنوب الصحراء الكبرى “أفريقيا السوداء”.

مقال بقلم: سوزي ميرجاني، مدير ومحرر لمنشورات مركز الدراسات الدولية والإقليمية باللغة العربية